(1) مكانة الشهر :
فهو الشهر الذي يتشعب فيه خير كثير؛ من أجل ذلك
اختصَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة تفضِّله على غيره من الشهور
، ولذلك يتميز شهر شعبان بأنه شهر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهو
الشهرٌ الذي أحبَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفضَّله على غيره من
الشهور، فقد روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: \"كان رسول
الله يصوم ولا يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله أن يفطر العام، ثم يفطر
فلا يصوم حتى نقول: ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في
شعبان\" ووقفتنا التربوية هنا : هل تحب ما أحب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، وهل تجد في نفسك الشوق لهذا الشهر كما وجده الحبيب؟ وهل تجعل حبك
للأشياء مرتبطاً بما يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هو اختبار عملي في
أن تحب ما يحب الله ورسوله \" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت
به \" .
(2) عرض الأعمال :
وهو الشهر الذي فيه تُرفع الأعمال
إليه سبحانه وتعالى؛ فقد روى الترمذي والنسائي عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ من
حديث النبي صلي الله عليه وسلم \" .. وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ
الأَعْمَال إِلى رَبِّ العَالمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عملي وَأَنَا
صَائِمٌ\"؛ ففي هذا الشهر يتكرَّم الله على عباده بتلك المنحة عظيمة؛ منحة
عرض الأعمال عليه سبحانه وتعالى، وبالتالي قبوله ما شاء منها، وهنا يجب أن
تكون لنا وقفة تربوية ، فإن شهر شعبان هو الموسم الختامي لصحيفتك وحصاد
أعمالك عن هذا العام ، فبم سيُختم عامك؟ ثم ما الحال الذي تحب أن يراك
الله عليه وقت رفع الأعمال؟ وبماذا تحب أن يرفع عملك إلى الله ؟ هي لحظة
حاسمة في تاريخ المرء، يتحدد على أساسها رفع أعمال العام كله إلى المولى
تبارك وتعالى القائل \" إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه \" ،
فهل تحب أن يرفع عملك وأنت في طاعة للمولى وثبات على دينه وفي إخلاص وعمل
وجهاد وتضحية ، أم تقبل أن يرفع عملك وأنت في سكون وراحة وقعود وضعف همة
وقلة بذل وتشكيك في دعوة وطعن في قيادة ، راجع نفسك أخي الحبيب وبادر
بالأعمال الصالحة قبل رفعها إلى مولاها في شهر رفع الأعمال.
(3) الحياء من الله
ففي
الحديث السابق بعد آخر يجب أن نقف معه وقفة تربوية، فالناظر إلى حال
الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم في شعبان، يظهر له أكمل الهدي في العمل
القلبي والبدني في شهر شعبان ، ويتجسد الحياء من الله ونظره إليه بقوله \"
وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم\" ففي الحديث قمة الحياء من الله عند رسول
الله صلى الله عليه وسلم بألا يراه الله إلا صائماً، وهذا هو أهم ما يجب
أن يشغلك أخي المسلم ، أن تستحي من نظر الله إليك ، تستحي من نظره لطاعات
قدمتها امتلأت بالتقصير، ولذلك قال بعض السلف: \"إما أن تصلي صلاة تليق
بالله جل جلاله، أو أن تتخذ إلهًا تليق به صلاتك\"، وتستحي من أوقات
قضيتها في غير ذكر لله ، وتستحي من أعمال لم تخدم بها دينه ودعوته ،
وتستحي من همم وطاقات وإمكانيات وقدرات لم تستنفذها في نصرة دينه وإعزاز
شريعته ، وتستحي من قلم وفكر لم تسخره لنشر رسالة الإسلام والرد عنه ،
وتستحي من أموال ونعم بخلت بها عن دعوة الله ، وتستحي من كل ما كتبته
الملائكة في صحيفتك من تقاعس وتقصير، وتستحي من كل ما يراه الله في صحيفتك
من سوءات وعورات ، كل ذلك وغيره يستوجب منك أخي الحبيب الحياء من الله
والخشية منه .
(4) مغفرة الذنوب :
فإن شهر شعبان هو شهر المنحة
الربانية التي يهبها الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن لله في أيام
دهركم أيامًا وأشهرًا يتفضَّل بها الله عباده بالطاعات والقربات، ويتكرَّم
بها على عباده بما يعدُّه لهم من أثر تلك العبادات، وهو هديةٌ من رب
العالمين إلى عباده الصالحين؛ ففيه ليلة عظيمة هي ليلة النصف من شعبان،
عظَّم النبي صلى الله عليه وسلم شأنها في قوله: \"يطّلع الله تبارك وتعالى
إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلاَّ لمشرك أو مشاحن\"،
هي فرصة تاريخية لكل مخطئ ومقصر في حق الله ودينه ودعوته وجماعته ، وهي
فرصة لمحو الأحقاد من القلوب تجاه إخواننا ، فلا مكان هنا لمشاحن وحاقد
وحسود ، وليكن شعارنا جميعا قوله تعالى \" ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين
سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رؤوف
رحيم\" قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس والنصيحة
للأمة وبهذه الخصال بلغ من بلغ، وسيد القوم من يصفح ويعفو، وهي فرصة لكل
من وقع في معصية أو ذنب مهما كان حجمه ، هي فرصة لكل من سولت له نفسه
التجرأ على الله بارتكاب معاصيه ، هل فرصة لكل مسلم قد وقع ف ي خطأ \" كل
ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابين \" هي فرصة إذاً لإدراك ما فات
وبدء صفحة جديدة مع الله تكون ممحوة من الذنوب و ناصعة البياض بالطاعة